كان لازلو بولغار، أستاذ الشطرنج وعالم النفس المجري، يؤمن بفكرة جريئة: أن العبقرية ليست هبة ولادية بل يمكن صنعها بالتدريب والبيئة المناسبة. ولم يكتفِ بالإيمان بهذا المفهوم، بل حوله إلى تجربة عملية طبّقها على بناته الثلاث: سوزان، وصوفيا، وجوديت، ليصبحوا بفضل تدريبه عباقرة الشطرنج في العالم.
بدأ بولغار بتعليم بناته الشطرنج منذ سن الرابعة، واضعاً نصب عينيه تحويلهن إلى أبطال عالميين. كتب بولغار عدة كتب شهيرة عن الشطرنج، منها كتاب "5334"، الذي يُعد مرجعاً شاملاً للممارسين والهواة، وأصبح من أبرز من تبنوا مفهوم "العباقرة يصنعون ولا يولدون"، حيث كان يؤمن بأن التدريب المكثف والمستمر قادر على صنع المعجزات.
على مر السنوات، تحولت بنات بولغار إلى مراجع في عالم الشطرنج. تُعد جوديت بولغار من أقوى لاعبات الشطرنج عبر التاريخ، إذ تميزت بذكاء فائق بلغ 170 درجة، لتصبح أول سيدة تحقق أعلى الألقاب وتتفوق على أبرز اللاعبين في العالم. فيما حصلت شقيقتها سوزان على لقب غراند ماستر، ونالت صوفيا لقب أستاذ دولي، ليشكلن جميعاً أعمدة في لعبة الشطرنج النسائية ويمثلن رمزاً للتفوق الرياضي النسائي.
لم تكن تجربة بولغار مجرد نجاح عابر، بل صارت نموذجاً ملهمًا في عالم التربية، إذ أثبتت أن أي شخص يمكن أن يصبح عبقرياً إذا ما تهيأت له الظروف الصحيحة من تدريب ودعم. تجربة بولغار مع بناته تعد اليوم واحدة من أكثر التجارب التعليمية إبهاراً في تاريخ البشرية، حيث استطاع من خلالها إثبات أن العبقرية يمكن أن تُصنع وتُطور.