كان بوبي فيشر واحدًا من أبرز الأسماء في عالم الشطرنج، إلا أن مسيرته لم تكن مجرد مسيرة رياضية، بل كانت مليئة بالتحديات السياسية والتوترات التي جعلت من شخصيته لغزًا حتى بعد وفاته.
في سن الرابعة عشرة، أحدث فيشر ضجة في بطولة الولايات المتحدة لعام 1958 بفوزه على خصومه الكبار، رغم صغر سنه وما يصاحبه من معاناة في مرحلة المراهقة. ومن هناك، بدأت أسطورته تتشكل، لتتوجه الأنظار إليه في كل مرة يدخل فيها منافسة. وبعد ست سنوات، وفي نفس البطولة، فاز فيشر مجددًا بطريقة مذهلة، ليصنع لنفسه مكانة أسطورية بين لاعبي الشطرنج، وأصبح يُنظر إليه كموهبة خارقة للطبيعة.
لكن في خضم الحرب الباردة بين القوتين العظميين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وجد فيشر نفسه في مواجهة مباشرة مع بوريس سباسكي، بطل الاتحاد السوفياتي، في مباراة تاريخية من أجل التتويج بلقب بطل العالم. أقيمت المباراة في ريكيافيك في آيسلندا، حيث كانت الأجواء المشحونة تعكس توتر الصراع السياسي بين البلدين. وفي مباراة مثيرة، نجح فيشر في خداع خصمه ووقعه في فخ "كش ملك"، ليحقق انتصارًا كان يحمل رمزية كبيرة في تلك الفترة.
ورغم هذه الانتصارات، لم تدم طويلاً، ففي عام 1975 دخل فيشر في خلاف مع الاتحاد الدولي للشطرنج (FIDE)، مما دفعه للانسحاب من المنافسة على اللقب. وكان هذا الانسحاب بداية اختفائه لفترة طويلة عن الساحة العالمية.
لكن في مفاجأة غير متوقعة، عاد فيشر في عام1992 لملاقاة سباسكي مجددًا، ولكن هذه المرة في يوغوسلافيا، وهو ما اعتُبر انتهاكًا للقوانين الأميركية التي فرضت عقوبات على يوغوسلافيا في ذلك الوقت. ورغم ذلك، شارك فيشر في المباراة وحقق فوزًا آخر على خصمه الروسي. لكن دفع ثمن مشاركته، حيث فقد جواز سفره الأميركي وأصبح منفيًا بلا وطن، مما أدى إلى سجنه في اليابان بسبب استخدامه جواز سفر منتهٍ.
بعد سنوات من الضغوط والمشاكل القانونية، منحته آيسلندا الجنسية، ليجد فيها ملاذًا من حياته المليئة بالتقلبات. لكن، بقي في عزلة عن العالم حتى وفاته في 2008.
على الرغم من كونه أسطورة في الشطرنج، إلا أن فيشر كان في النهاية مجرد حجر شطرنج في لعبة أكبر منه بكثير، لعبة الحرب الباردة والسياسات الدولية.