يعتبر جيغورو كانو واحدًا من أبرز الشخصيات التي تركت بصمة لا تُمحى في عالم الفنون القتالية، حيث أسس فن الجودو وأحدث ثورة في هذا المجال. وُلِد كانو في 28 تشرين الأول 1860 في منطقة كوبي باليابان لعائلة ثرية، وقضى سنواته الأولى تحت رعاية والدته حتى وفاتها عام 1869. خلال فترة شبابه، برز اهتمامه بتعلم اللغات، والتحق بمدرسة اللغات الأجنبية في طوكيو، ثم بجامعة طوكيو، حيث حصل على شهادة الماجستير في اللغة الإنكليزية والسياسة.
رغم بنية كانو الضعيفة، إذ كان طوله 157 سم ووزنه 41 كلغ، إلا أنه قرر أن يُحسن من قدراته البدنية من خلال تعلم فنون القتال. بعد محاولات عديدة، تمكن من إقناع المدرب Hachinosuke Fukuda بتدريبه على الجوجيتسو. سرعان ما أظهر كانو تفوقًا ملحوظًا في هذا المجال، مما شجعه على تطوير هذا الفن القتالي.
في عام 1882، أسس كانو أكاديميته الخاصة "كودوكان"، التي أصبحت فيما بعد منارة لفن الجودو، الذي يعتمد على مبدأ "أقصى كفاءة بأقل جهد". لم يكن هدف كانو مجرد تدريب اللاعبين على الدفاع عن النفس، بل كان يسعى لغرس قيم الاحترام المتبادل والتنمية الشخصية في نفوس طلابه.
لم تقتصر إسهامات كانو على نشر فن الجودو في اليابان فحسب، بل عمل بجد لنشره عالميًا. وفي عام 1909، أصبح أول عضو آسيوي في اللجنة الأولمبية الدولية، وشارك في عدة دورات أولمبية ممثلاً لليابان. بعد وفاته في 1938، تم الاعتراف رسميًا بالجودو كرياضة أولمبية في دورة الألعاب الأولمبية بطوكيو عام 1964.
إلى جانب إسهاماته في عالم الفنون القتالية، كان كانو مؤمنًا بأهمية التعليم، حيث ساهم في تطوير النظام التعليمي الياباني ودمج فن الجودو في المناهج الدراسية. حصل على العديد من الأوسمة تقديرًا لإسهاماته في الرياضة والتعليم، من بينها وسام "Grand Order of the Rising Sun".
أغرب ما في قصة كانو هو طلبه الأخير على فراش الموت، حيث طلب أن يُدفن بحزام أبيض بدلاً من الحزام الأسود، رغم مكانته العالية في عالم الجودو. أراد أن يتذكره الناس كمتعلم دائم، وليس كمعلم، ليعبر عن فلسفته العميقة بأن التعلم لا يتوقف أبداً.
تظل قصة جيغورو كانو ملهمة للأجيال، حيث ترك إرثًا رياضيًا وثقافيًا يستمر في التأثير على الملايين حول العالم.